في عام 1587، وصلت مجموعة مكونة من 115 مستوطناً إنكليزياً إلى جزيرة رونوك، قبالة ساحل ما يعرف الآن بولاية نورث كارولينا. وكانوا جزءاً من محاولة طموحة قام بها السيد (والتر رالي) لإنشاء مستعمرة دائمة في العالم الجديد. كان المستوطنون بقيادة (جون وايت) يأملون في إنشاء مستوطنة مزدهرة وسلمية من شأنها أيضاً أن تكون بمثابة قاعدة للتجارة والاستكشاف.
ومع ذلك، فإن الأمور لم تسر كما هو مخطط لها. فقد واجهت المستعمرة العديد من التحديات، مثل عِدَاء السكان الأصليين، وندرة الموارد، والاضطرابات السياسية في إنكلترا. قرر وايت العودة إلى إنكلترا للحصول على المزيد من الإمدادات والدعم، تاركاً وراءه زوجته وابنته وحفيدته، من بين آخرين. كان يتوقع أن يعود خلال عام، لكن القدر كان له خطط أخرى.
بسبب اندلاع الحرب بين إنكلترا وإسبانيا، لم يتمكن وايت من تأمين سفينة للعودة إلى رونوك حتى عام 1590. وعندما وصل أخيراً، وجد المستعمرة مهجورة، دون أي أثر للمستوطنين باستثناء كلمة “CROATOAN” المنحوتة. على عمود والحروف “CRO” على شجرة. افترض وايت أن المستعمرين قد انتقلوا إلى جزيرة (كرواتوان)، حيث كانت لديهم علاقات ودية مع القبيلة الأصلية، لكنه لم يتمكن من البحث عنهم بسبب سوء الأحوال الجوية ونقص الإمدادات. لقد غادر رونوك بقلب مثقل، ولم يتمكن من رؤية عائلته أو المستعمرة مرة أخرى.
يظل مصير مستعمري رونوك أحد أعظم الألغاز في التاريخ الأميركي. ماذا حدث لهم؟ هل اندمجوا مع القبائل الأصلية أم قتلوا على يدهم؟ هل حاولوا الانتقال إلى مكان آخر، أم أنهم فُقِدُوا في البحر؟ هل تَركوا أي أدلة أو آثار خلفهم، أم اختفوا دون أن يتركوا أثراً؟
افتُرِضَتِ العديد من النظريات والتكهنات على مر السنين، ولكن لم تُثْبَتْ أي منها بشكل قاطع. يعتقد بعض المؤرخين أن المستعمرين تم استيعابهم من قبل قبيلة كرواتوان، أو قبيلة أخرى مجاورة، وأن أحفادهم لا يزال من الممكن العثور عليهم بين الأميركيين الأصليين في المنطقة. ويشير آخرون إلى أن المستعمرين تعرضوا للهجوم والذبح على يد السكان الأصليين المعادين، أو على يد غزاة إسبان، وتم دفن جثثهم أو التخلص منها. لا يزال آخرون يجادلون بأن المستعمرين حاولوا الإبحار عائدين إلى إنكلترا، أو إلى مستعمرة أخرى، مثل هيمس تاون، ولكن تحطمت سفينتهم أو تم أسرهم على طول الطريق.
لقد ألهم لغز رونوك العديد من الأعمال الخيالية والفنية، مثل الروايات والأفلام والبرامج التلفزيونية والألعاب. كما أثار اهتمام العديد من الباحثين والمتحمسين، الذين أجروا تحقيقات وحفريات مختلفة للعثور على القرائن والأدلة. ومع ذلك، على الرغم من كل الجهود والموارد، لا يزال اللغز دون حل، ولا يزال مصير مستعمري رونوك مجهولاً.
ربما يوماً ما، ستلقي الاكتشافات أو التقنيات الجديدة بعض الضوء على هذا اللغز، وتكشف الحقيقة وراء مستعمرة رونوك المفقودة. وحتى ذلك الحين، ستظل تبهرنا وتثير اهتمامنا، باعتبارها واحدة من أكثر القصص ديمومة وإبهاراً في التاريخ الأميركي.
من هم بعض الشخصيات الرئيسة المشاركة في مستعمرة رونوك؟
بعض الشخصيات الرئيسة المشاركة في مستعمرة رونوك هم:
1 -السيد والتر رالي (Sir Walter Raleigh): كان الراعي والمنظم للمستعمرة، بموجب ميثاق منحته الملكة إليزابيث الأولى. ولم يقم بزيارة المستعمرة بنفسه، لكنه أرسل عدة بعثات لتأسيسها وإعادة إمدادها.
2 -رالف لين (Ralph Lane): كان حاكم مستعمرة رونوك الأولى، التي تأسست عام 1585. وقد واجه العديد من الصعوبات، مثل معاداة السكان الأصليين له، وندرة الموارد، والاضطرابات السياسية في إنكلترا. تخلى عن المستعمرة وعاد إلى إنكلترا مع السير فرانسيس دريك في عام 1586.
3 -ريتشارد جرينفيل (Richard Grenville): كان قائد الحملة التي جلبت (لين) ومستعمريه إلى رونوك في عام 1585. كما ترك وراءه مفرزة صغيرة لحماية مطالبة رالي. عاد إلى رونوك عام 1586، لكنه وجد المستعمرة مهجورة. ترك مجموعة أخرى من الرجال وأبحر عائداً إلى إنكلترا.
4 -جون وايت (John White): كان حاكم مستعمرة رونوك الثانية التي تأسست عام 1587. وهو أيضاً جد (فرجينيا دير)، أول طفل إنكليزي يولد في أميركا. عاد إلى إنكلترا عام 1587 للحصول على المزيد من الإمدادات والدعم، لكنه تأخر بسبب الحرب الأنغلو-إسبانية. عاد إلى رونوك في عام 1590، لكنه وجد المستعمرة مهجورة وكلمة “CROATOAN” محفورة على عمود. لم ير عائلته أو المستعمرين مرة أخرى.
5 -سيمون فرنانديز (Simon Fernandes): كان قائد السفينة الرئيسة التي جلبت وايت ومستعمريه إلى رونوك في عام 1587. وكان من المفترض أن يأخذهم إلى خليج تشيسابيك، حيث أمرهم رالي بالاستقرار، لكنه أجبرهم على البقاء في رونوك. كما أعاد وايت إلى إنكلترا عام 1587، تاركاً المستعمرين وراءه.
6 -توماس هاريوت (Thomas Harriot): كان عالماً وعالم رياضيات رافق لين ومستعمريه إلى رونوك عام 1585. درس اللغات والثقافات والموارد الطبيعية الأصلية في المنطقة. كما كتب أيضاً تقريراً بعنوان “موجز وتقرير حقيقي عن أرض فرجينيا الجديدة”، والذي نُشر عام 1588 وأثر على المستعمرين اللاحقين.